الاثنين، 29 أغسطس 2016

من روايات "محمد الدسوقي"

حينما سُئل "صلاح جاهين" عن زوجته، ومقدار حبه لها في برنامج إذاعيّ، أجاب :
" البنت دي فيها حاجة مختلفة؛ ذكية ولبقة وحساسة أنا بقي أموت في كده"
فــسأله المذيع:
- بتحبها ؟
رد عليه:
- حب ايه يا عم ! .. في ناس الحب خسارة فيهم .. وناس تانية الحب بيبقى ليهم مش قد المقام .. أهي البنت دي واحدة منهم .. مخلوق مختلف عيب لما الواحد يقول إنه بيحبها، لأن الكلمة دي اتقالت ملايين المرات في ملايين السنين عن ملايين الملايين من المخلوقات العادية اللي مفيهاش حاجة ولا ميزة من مزاياها .
______
هذا الكلام جميل ومنمق "ويشد القلب" ويجبر الخاطر.. قاله "جاهين" بهذا الأسلوب الفذ لأنه "جاهين"، وهذا مستواه في الحكي، ولا ريب أنه ترك أثرًا لا ينمحي في ذاكرة كل من سمعه أو قرأه.. لكني أخبرك أن "نظرة" واحدة حقيقية من عين زوج في عينيّ زوجة تفهمه فعلًا في لحظة صادقة قد تفوق في دقتها وبلاغتها كل ما قاله "جاهين" ومن سبقوه وحتى من أتى وسيأتي بعده، لأن هذا ما قد تحتاجه "هي" فعلًا .. ولا أكثر .. فلا تبخل ..

__
محمد الدسوقي

الأحد، 28 أغسطس 2016

عمر طاهر: عمالين نكش

ليس الجنيه وحده، نحن أيضا كمصريين (عمالين نكش).

كانت مقاسات البشر في الأربعينيات والخمسينيات أسطورية.

يمكنك أن تلاحظ هذا في مقاسات بيوت زمان، كان في كل بيت صالة ذات مساحة تستطيع بالكاد أن تستوعب حركة هؤلاء العمالقة.

بدليل أنك إذا سكنت واحدة من هذه الشقق حاليًا ستستطيع أن تربي في ناحية منها غية حمام تفتح أبوابها ليحلق الحمام في الصالة طول النهار ثم تقف حاملا العلم في آخر الصالة بنهاية اليوم حتى يعود الحمام إلى الغية سالمًا، ولا يضل الطريق في الصالة.

تأمل مقاسات البشر أنفسهم، لو أخذت حسين صدقى من فيلم العزيمة كما هو ووضعته في حلقة توك شو ستعتقد من حجمه أنه العميد السابق لحقوق القاهرة، عد به إلى الفيلم ستجده يا دوب طالب حصل على التوجيهية ويبحث عن عمل.

الأرواح نفسها كانت ضخمة، عندك مثلا أرواح السميعة كانت على قدر من الضخامة بحيث يشبعها بالكاد عشرة خمستاشر إعادة لمقطع واحد من أغنية للست أم كلثوم.

كانت كل المصالح الحكومية واللوكاندات ومقار الصحف في هذا الوقت تحتوي في مداخلها على مساحة ضخمة مهيبة يسمونها (البهو) .. ظل البهو يكش يكش حتى أصبح مجرد (ريسبشن) في وقتنا الحالي.

وفي شققهم كانوا يحتاجون لمساحة تناسبهم يطلون منها على الشارع، فكانت أسطورة (الفراندة)، وظلت تكش ونحن نكش حتى أصبحت مجرد بلكونة قد تستطيع أحيانًا أن تقفلها بالألوميتال ليقيم فيها أحد أفراد الأسرة المصاب بالأنيميا والتوحد.

عندك حجرة المسافرين، ومن الأخطاء الشائعة أن نعتقد أنها كانت مخصصة للمسافرين الضيوف القادمين من جهات بعيدة ،الحقيقة أنها كانت أوضة في نهاية الشقة لراغبي الهدوء من أهل الشقة نفسها، ولكن كان الذهاب إليها بمثابة سفر لذلك لقبوا من يقطنها بالمسافرين.

كانت مقاساتهم تكبر بسرعة، تأمل ماتشات الكرة في هذه الفترة .. كان اللعيبة يفصلون الشورتات الدمور قبل بداية الموسم على يد ترزية مهرة يجيدون ضبط المقاسات، لكن على بال ما يستلموا الشورتات يكونوا تعملقوا بزيادة لدرجة أن هذه الشورتات كانت تغطي بالكاد مفاصل أفخاذ اللعيبة .. لقد كانت "لباليب" هذا الجيل نقطة مضيئة في تاريخ الكرة المصرية.

هؤلاء الرجال العمالقة ماتوا خلال حرب الست سنوات، وظهر رجال الجيل الثاني وكانت مقاساتهم مدعاة للسخرية، لذلك حاولوا أن يعوِّضوا هذا الفارق بأفكار جلبت لهم مزيدًا من السخرية مثل أن يعملقوا السوالف أو يضيفوا إلى أطوالهم سنتيمترات بالشعر الهائش أو بالإفراط في مقاسات رجل البنطلون .. كان (الشارلستون) محاولة لإخفاء الطفرة السلبية في مقاسات الأقدام بعد أن انقرضت مقاسات أقدام جيل العمالقة التي استهلكوها في دك خط بارليف.

السبت، 27 أغسطس 2016

عمر طاهر : اهلا بكم في جمهورية انا مصري

جمهورية أنا مصرى لو احترفت اتحرق.
....
لماذا ننتم بجدارة إلى دول العالم الثالث ؟

بعيدا عن الفقر و مقياس الإقتصاديات و التعليم و احترام حقق الإنسان و الصحة إلى آخره، كل هذة الأمور تفاصيل تندرج تحت العنوان الأكبر و هو أننا دولة هواة.
فتش عن الإحتراف داخل هذا الوطن و أتحداك أن تمسك بملمح واضح له بداية من رئيس الجمهورية حتى الأطفال الواقفة على خط الملعب  المسئولة عن إحضار الكور الطائشة فى مباريات كرة القدم.
أمة من الهواة لا تمتلك خطة واضحة فى أى منحى يمكنها أن تحقق فى نهايته هدفا واضحا، لا أحد فى هذا البلد يعرف ما هو الطريق الذى لو سلكه إلى نهايته سيصل إلى محطة بعينها، كل الأمور الناجحة فى مصر تمت بمجهودات شخصية فردية يغلب عليها التوفيق و ضربات الحظ و التوفيق و إستغلال غباء و تكاسل و تراخ الآخرين، منطق الهواة هو الذى نتعامل به مع كل شىء من حولنا، مسخ الهواة قضية وزير التموين فى تردد صارخ بين منطقة القضية كفساد شخصى أو فساد عام، مسخ الهواة كل محاولات رفع شعبية رئيس الجمهورية التى تتآكل ببطء لكن بثقة، و كانت النتيجة عكسية يمكنك ملاحظة هذا فى إستفتاء المذيع المقرب على تويتر أو محاولات تهذيب و فلسفة تصريحات الرئيس الصحفية، ردود الرئيس نفسها شغل هواة يتحدث عن مستقبله السياسى بمنطق رضا الجماهير لا بمنطق طموح بعينه أو خطة مستقبلية واضحة، منطق الهواة كان باديا من أول لحظة تكلم فيها الرئيس الحالى بدون خطة واضحة و بفائض من المشاعر كان يخاطب أيضا فئة الهواة من الشعب التى سرعان ما اختارت و انحازت و تفانت فى الدفاع الأعمى بدون الوقوف لدقائق فى محاولة لقييم الأمور باحترافية لمعرفة كيف سيبدو المستقبل، هل تريد ما هو أبعد من ذلك ؟، ثورة يناير كانت ثورة هواة لم تشهد لحظة احترافية واحدة ( اللهم لحظة الاستمرار فى الميدان حتى سقوط النظام) لكنها كانت احترافية ناقصة لا تمتلك خطة واضحة لما بعد ذلك، مقاومة النظام القديم للثورة كانت مقاومة هواة أصلا خلت من فكرة واحدة ذكية تساعد على إحتواء الموقف، 30 يونيو كانت انتفاضة هواة لم تدرس جيدا ما بعدها و عندما فوجئت بالموقف كان التعامل يخلو من أى قدرة على التفكير المنطم الحكيم، و لازلنا حتى يومنا هذا نعانى من عدم احترافية التعامل مع الموقف، حتى الإخوان فى الفترة ما بين تولى الحكم و رابعة لم يقدموا فكرة واحدة ذكية تدعم وجودهم و اندماجهم فى الشعب و تذويب الغربة بينهم و بين الناس، الكلام عن فترة رئاسية جديدة قبل أن ينتهى نصف الأولى شغل هواة، شراء المحطات التليفزيونية و المواقع من أجل إخضاعها لسيطرة صوت واحد شغل هواة، الحبس و تكميم أية أفواه قد تعكنن على مزاج الرئاسة شغل هواة، الصحافة فى يومنا هذا يديرها الهواة المشغولون بالترافيك و أعداد القراء ولو على حساب المصداقية و باستخدام العناوين المجهلة الكاذبة، نشر الكتب و شغل الثقافة عموما يسيطر عليه هوس هواة البيست سيلر و الموضة و حجم اللايك و الشير.
القائمة طويلة، لم نتعامل مع أزمة كمحترفين يوما بداية من أزمة الغلاء و نقص العلاج مرورا بأزمة الدولار نهاية بأزمة فواتير الكهرباء، المكان الوحيد الذى يدعى الإحتراف كذبا هو ملاعب كرة القدم حيث يتم شراء و بيع لاعبين بملايين ليقدموا كرة بائسة فى ملاعب خاوية لا يحقق من ورائها أحد أية مكاسب إلا عواجيز استوديوهات التحليل الذين يقضون بالست ساعات يحللون هراء كروى.
يغيب الإحتراف عننا لأسباب كثيرة أهمها الذعر الذى يعيش فيه الناس، الخوف يعطل مفاتيح التفكير المنظم ، ولأنك لا تمتلك خطة أو رؤية واضحة تتعامل مع الأحداث (يوم بيومه)، وكل يوم يحمل كارثة جديدة الأمر الذى يجعل الذعر لا يتوقف و يستمر معه (التلويش) كما يليق بدولة تنتمى للعالم الثالث قلبا و قالبا.

الجمعة، 26 أغسطس 2016

عمر طاهر : بضهر الايد

النجاح ب ( ضهر الإيد)
هناك خبر (بايخ)، و آخر جيد
الأول أنه لا توجد وصفة محددة للنجاح في مصر، لا توجد وصفة لدرجة أنك تعيش في بلد النجاح فيه خطر مثل الفشل تماما.
لا يوجد طريق واضح تسلكه حتى نهايته فتصل إلى ما تريد.
الأمر لا يعرف أية قوانين واضحة و ثابتة حتى أن الواحد يندهش من كون الأعمال اللى كتبها ب(ضهر ايده) كناية عن نصف تركيز نصف حماس نصف إخلاص تحقق نجاحا يفوق تلك التي بذل الواحد فيها كل ما يقدر عليه من إخلاص و تركيز.
أما الخبر الجيد فهو كون عدم وجود كتالوج أمر مثير وممتع للغاية.
عندما تتابع فيلما كلاسيكيا تتوقع أحداثه و نهايته ستتابعه و أنت تجرى مكالمة تليفونية أو تتجول بين حسابات الأصدقاء على فيس بوك أو تطلب ساندوتش من كوك دور، لن يفوتك شيء، و المتعة ناقصة.
لكن عندما تتابع فيلما يصعب توقع أحداثه و كل دقيقة تتغير فيه الدراما و أحوال الأبطال و يختفى أشخاص و يظهر آخرون، ساعتها ستتابع بكامل تركيزك و ستغرق في المتعة.
كذلك النجاح، لن يكون ممتعا إذا كان الطريق واضحا للجميع و قواعده ثابته و كلاسيكية، ستكون قصص النجاح كلها نسخة واحدة يتغير فيها أسماء الأبطال و لا تتغير النهايات.
لكن الإثارة كلها في أن يكون نجاحك نسخة من شخصيتك، ولا يشبه أحدا.
لكن على هامش الفكرة هناك أشياء يجب على الواحد ألا يتجاهلها، عنصر الوقت مثلا، فالوقت (أغلى حاجة ببلاش)، و عندما تكبر لن تجد شيئا يستحق الندم عليه سوى الوقت الذى ضيعته في (ولا حاجة)، أن تعيش وقتك هذا أمر مهم، ليست هناك قواعد لإدارته سوى قاعدة واحدة، لا تضيع دقيقة دون استمتاع أو تحصيل معرفة أو سفر أو عمل علاقة جديدة أو مساعدة شخص أو حتى حفظ نكات جديدة تؤنس بها اصدقائك في الخروجة.
هناك أيضا فكرة مهمة بخصوص (التعب)، تعلم الواحد أن (التعب مابيروحش على الفاضى)، يدخر الواحد تعبه أحيانا لأنه يعتقد أن هذا الشىء لا يستحق كل هذا المجهود، و الحقيقة أن التعب هو الشىء الوحيد المضمون لأنه مدخرات طبيعية مثل الطاقة لا تفنى ول ا تستحدث من العدم، و ماتبذله من تعب للوصول إلى النقطة (1) في 10 ساعات لن يضيع إذا فشلت في الوصول لأنه قريبا جدا سيصل بك إلى النقطة (2) في ساعتين فقط، هذه معادلة أكيدة و على ضمانتى، (فماتستخسرش) تعبك، و لا تتعالى على ( الشقا).
النقطة الثالثة هي تحصيل المعرفة، أيا كان هدفك في الحياة لابد أن يكون ملحقا به هدف آخر و هو المعرفة، رصيد مضمون في الحياة، سيسعفك وقت الشدة، المعرفة هي الحياة أصلا، ومهما كنت ذكيا او موهوبا و تمتلك عقلا 180 حصانا، بدون مدخلات المعرفة لن يكون لك قيمة، دماغك الذهبية ما لم تقدم لها الخام الازم فلن تقدم لك ( قماش) أبدا، لست من محبى الجيم لكن إن كان ثمة تدريب يجب ان يقوم به الواحد فهو التدريب على الشغف، الفضول، عدم قبول الأمور على علاتها، رفض جملة (هي بتتعمل كدة)، المعرفة هي رصيدك في البنك و في رحابها يوجد (الستر).
لا طريق واضح، وهذا مثير، و الإثارة لن تتحقق سوى ب (الشقا) و حسن إدارة الوقت، و ستساعدك المعرفة في ذلك كثيرا.

عمر طاهر

كيف تعرف أنك قد كبرت؟
بعيدًا عن نهجان قد يصيبك وأنت تصعد السلم.
بعيدًا عن فشلك لثوانٍ في أن تتذكر اسم الشخص الذي يصافحك الآن بحرارة في الشارع.
بعيدًا عن شعيرات بيضاء أخذت طريقها أسفل الفك، أو انحسار عشوائي للشعر بعيدًا عن منبته القديم فوق جبهتك.
بعيدًا عن تجمع الأصدقاء الذي يضيع منه وقت كثير في الترحم على مَن فارق الجمع، واجترار حلاوة وجوده التي ضاعت للأبد بعد سنوات تضيع بقية السهرة في تحديد رقمها الصحيح.
بعيدًا عن زيارة أصبحت منتظمة للطبيب حاملًا ملف التحاليل.
بعيدًا عن أن لاعبك المفضَّل أصبح الآن ضيفًا ثابتًا في استوديوهات التحليل الكروية يرتدي بدلة كاملة كما يليق برجل في طريقه إلى الخمسين.
بعيدًا عن اللحظة التي تكتشف فيها أنك لا تستطيع التمييز بين المطربين الجدد كما كان يفعل أبواك بالضبط.
بعيدًا عن كل تلك اللحظات التي تقول لك أنك كبرت، يظل الشعور الحقيقي بالمسألة مرتبطًا بلحظة مفرغة لا حدث فيها.
مجرد رسالة عابرة يلتقطها العقل بدون مقدمات من مكان مجهول، تقول للواحد إنه تجاوز مرحلة ما في الحياة، بينه وبينها ما يكفي الآن لأن يتأملها بهدوء.
أقود سيارتى فوق كوبري السادس من أكتوبر بعد منتصف الليل ملتزما أقصى اليمين،مصابيح السيارة لا تعمل ،أنظر لهذا الاستهتار الطفولي بمتعة شديدة قوامها خليط من الغرور والنزق.
غياب الإضاءة كان يبدو لي وكأنه مغامرة مسلية تثير قدرًا من الونس حتى الوصول إلى المنزل في الناحية الأخرى من المدينة، لكن بدون مقدمات بدت المصابيح التالفة وكأنها رسالة، سألت نفسي: هل ترى الطريق جيدًا؟
كان الراديو يبث إعلانًا عن أغنية جديدة للمطرب اللبناني عاصي الحلاني اسمها «فرصة عمر». كان عنوان الأغنية ملهمًا، ولكن ما إن بدأت الأغنية حتى تبدلت الأحوال تمامًا، دخول موسيقى قوامه الكمانجات والكلارينت، قطبي التعبير عن العوالم القديمة التي أتت منها الروح، لذلك كان الانتباه موجعًا بعض الشيء.
إلى أين؟. أنا لا أرى الطريق جيدًا، ويبدو من عدم اهتمامي بامتلاك مصابيح سليمة أنني لا أعرف تحديدًا إلى أين، فكيف إذن سأعرف يوما أننى قد وصلت!
كانت السيارات التي تمتلك مصابيح سليمة تمر إلى جواري مسرعة بينما تفشل محاولاتي لإنزال زجاج باب السيارة العطلان لأستنشق نسمة هواء باردة، إلى أن استسلمت تمامًا للموقف، بينما الكلارينت يهبط بأنغامه تدريجيًّا ليفتح المجال أمام المطرب ليقدم نفسه: «فرصة عمر.. كل العمر».
توقفت تمامًا، وفتحت الباب بحثًا عن الهواء، واستمعت إلى الأغنية كاملة حتى انتهت. كانت المرَّة الأولى التي أستمع فيها إلى أغنية لعاصي الحلاني كاملة.
كانت الأغنية تعبر عن عاشق يرى في حبيبته الفرصة التي ستحيل حياته كلها إلى جنة، لكنه اختار أن يعبر عن ذلك بموسيقى تشرح العناء الذي خاضه حتى استقر على باب هذه الجنة. لم يستقر في القلب من الأغنية إلا إرهاق تلك الرحلة. أنا أشعر بإرهاق ما في هذه اللحظة لم أعرفه من قبل، أنا أيضًا لديَّ أحزان لم أتوقف عندها لأعطيها حقها من الانتباه. كانت قفزاتي أوسع مما يجب لدرجة أنني لم أتوقف لأتأمل ما سقط من جيوبى اثناء القفز، كنت ألهث دون أن أعطى شيئا واحدا فى حياتى حقه كاملا، و مثلما يسابق الكلارينت صوت الحلاني كنت أنا أسابق الحياة بحثًا عن شيء ما لا أعرفه. الآن تحديدًا يوجعني بشدة أنني لا أعرفه.. لقد كبرت.
فتحت صندوق الكهرباء، وأزلت مفاتيح المصابيح الفاسدة، واستبدلتها بأخرى سليمة من داخل الصندوق نفسه، وكان نتيجة ذلك أن استغنيت عن الراديو.
تحركت.
أعيد على نفسي أغنية حفظتها من أول مرَّة، في منتصف الكوبري أرى صورة الحلاني كبيرة ومكتوب تحتها: «فرصة عمر.. حاليًّا بالأسواق»، عاد الإلهام من جديد، كبرت بما يكفى لإتخاذ قرار فورى بإحياء المصابيح التالفة، أنا الآن أرى الطريق بصورة أفضل، بينما يلوح في مرآة السيارة الجانبية طفل تركته في النقطة التي توقفت عندها قبل قليل، وكلما ابتعدت كانت ابتسامته تزداد وضوحًا.

الأربعاء، 24 أغسطس 2016

عمر طاهر : الدستور 2009

الدستور 2009
.....

الشيخ أحمد القصبى واحد من مريدى سيدنا الحسين، كان يقطن إلى جواره فى بنسيون فقير داخل غرفة بائسة تطل نافذتها على المشهد الحسينى.

تعرَّفت إليه فى أحد الموالد وأحببته من النظرة الأولى، كان رجلًا صافيًا مرحًا ودرويشًا على مصرى بلا افتعال، كنت أزوره يوميًّا فى بداية عملى فى مجلة «نصف الدنيا» التابعة لـ«الأهرام»، كمتدرب بجنيهات قليلة بلا أى معالم واضحة للمستقبل بلا أى وعود بتوظيف حقيقى ورسمى فى المجلة.

أدخل غرفته فأسأله: «هناكل إيه النهارده يا عم أحمد؟» فكان يسألنى: «معاك كام؟» فأخرج جنيهات قليلة، فيقول لى: «خليهالك»، ثم يتركنى فى الغرفة ويطلب منى أن أغسل الأطباق وأجهّز المكان لوليمة، وحتى يومنا هذا لا أعرف كيف كان يتركنى وهو مفلس ويعود إلى الغرفة حاملًا دجاجةً وأرزًا وسمنًا وخبزًا وشايًا وسكّرًا، فى البداية كنت أبدى اندهاشى فيقول لى: «دى بركة سيدنا الحسين»، ثم راحت الدهشة بالتدريج وتعلَّق قلبى به وبالمكان وبحفيد سيدنا النبى (صلى الله عليه وسلم)، كنت أتسلل إلى غرفة عم أحمد فأراه جالسًا فى شباك غرفته ينظر إلى السماء والدموع تنهمر من عينيه: «مالك يا عم أحمد؟» أسأله فيقول لى: «آه من الحب.. آه من الحب»، ثم يلفّنا الصمت لفترة طويلة حتى يعود إلى طبيعته.

كان عم أحمد درويشًا مثقّفًا، حيث كان يتاجر فى الكتب الدينية، كنت أقرأ له ما كتبته قبل أن أسلّمه للنشر، وكانت انطباعاته مريحة دائمًا ومشجّعة وكانت دعوته المفضّلة لدى: «ربنا يخبّز لك العيش فى الأهرام».

وفى أيام المولد كانت حجرته الصغيرة تتحوَّل إلى (خدمة) بلغة المولد، وهى المكان الذى يستريح فيه المريدون ويقدّم لهم الطعام والشاى، كنت أشاركه الخدمة وأنا فى منتهى السعادة وأعتقد أنها كانت أسعد أيامى فى هذه الفترة.

حدثت حركة تعيين لدفعتى فى «الأهرام»، تجاوزتنى هذه الحركة وخرجت منها مقهورًا شاعرًا باليأس، توجَّهت إلى عم أحمد، فقال لى بالنص: «ماتقلقش، إن شاء الله سيدنا الحسين هيعيّنك فى الأهرام»، أشحت بيدى معترضًا، فقال لى: «قريب جدًّا سناء البيسى هتجيلك لحد مكتبك وتعيّنك».. كنت أرى ما يقوله محض دروشة لم أكن أتوقعها منه، ففترت علاقتى به وانقطعت عن زيارته لفترة.

بعد شهور من العمل بلا أى أمل فى التعيين زُرت عم أحمد وقلت له لقد حصلت على تأشيرة سفر إلى إنجلترا ووعد بالعمل هناك إلى جانب استكمال الدراسة، فطلب منى أن لا أتعجَّل وذكَّرنى بما قاله لى، لكننى لم أكن مقتنعًا حيث لم أدّخر جهدًا خلال الفترة الماضية للحصول على التعيين بلا فائدة، طلب منى أن أزور قبر سيدنا الحسين للسلام وقراءة الفاتحة وطلب منى أن أخبره بما قررت أن أفعله.. ففعلت.

كان يوم الأحد عندما ذهبت إلى السفارة البريطانية فى الثامنة صباحًا وحصلت على التأشيرة، قلت لنفسى ما زال الوقت مبكرًا سأزور «نصف الدنيا» لتوديع الزملاء الذين عرفتهم خلال الفترة السابقة.

كان المكتب فارغًا، جلست أحتسى القهوة وفوجئت بالأستاذة سناء البيسى تفتح الباب وعلى وجهها ابتسامة كبيرة، وقفت مرتبكًا، فقالت لى: «أنا كلّمت أستاذ إبراهيم نافع فى موضوع تعيينك وكتبت له طلبًا ووافق».

فى غرفة عم أحمد كان المشهد مختلفًا.. قال لى: «طلع كل اللى فى جيبك»، كانت جنيهات إسترلينية، نزلت معه إلى ساحة المسجد ورأيته وهو يوزّعها على أصدقائه الدراويش، كنت فرحًا للغاية وكان الدراويش فى ملابسهم الرثّة أشبه بالملائكة، كانت وجوههم تشع نورًا، استوقفنى أحدهم مستخدمًا عصا طويلة، ثم سأل: «ماله ده يا عم أحمد؟»، فقال له عم أحمد: «بارك له ده اتعيّن فى الأهرام»، سألنى الرجل «عارف مين اللى عيّنك فى الأهرام؟» فسكت تمامًا، وضع الرجل عصاه فى الأرض ونظر إلىّ مبتسمًا، قائلًا: «سيدنا الحسين».

الثلاثاء، 23 أغسطس 2016

صنايعية مصر: امدريا رايدر

صنايعية مصر ... أندريا رايدر 
.......

(1) ذات ليلة شتوية خرج رايدر ليتجول قليلا فى شوارع سنتياجو عاصمة شيلي، كان هناك يمثل مصر فى مهرجان عالمى للموسيقي، سار طويلا بلا هدف متأملا كيف تغير كل شيء فى حياته بالوقت، اسمه، مهنته، جنسيته، إلى أن استقر فى محل صغير وطلب بعض القهوة، فقيل له لا توجد قهوة، وصف له الجرسون محلا مجاورا يقدم القهوة العربية، كانت تقف إلى جوارة سيدة ثلاثينية، عرضت أن تصحبه إلى هذا المحل لأنه فى طريقها.
أخذته من طريق إلى آخر ثم استأذنته لحظة لإحضار شيء ما من بيت أشارت إليه، دخلت ثم خرجت بعد دقائق و استأنفا السير، لكن بدون أية مقدمات ظهر خمسة رجال لا يبشر منظرهم بأى خير و أحاطوا بـ ( رايدر) والسيدة. 

(2) 

حتى ظهور رايدر ( وإلى جواره فى الوقت نفسه تقريبا الموسيقار فؤاد الظاهري) كانت هناك صيغة واحدة لا تتغير تقريبا فى تترات الأفلام المصرية،( موسيقى تصويرية: منتخبات بهنا)، كانت الموسيقى مختارات عالمية، و(بهنا) هو اسم العائلة السورية التى استقرت فى مصر مع بداية الثلاثينيات وعملت فى تجارة التبغ ثم هجرتها لصناعة السينما. 

لا أحد يعرف كيف كانت البداية لكن فى النهاية رحل رايدر بعد أن وضع الموسيقى التصويرية لأكثر من ستين فيلما مهما مثل ( دعاء الكروان، بين الأطلال، النظارة السوداء، الباب المفتوح، حسن و نعيمة، نهر الحب، اللص و الكلاب)، يقول المتخصصون أنه صنع معجزة فى موسيقى الأفلام، كان أول مصرى يعزف موسيقى تقول إن هناك حكاية ستبدأ حالا، أو أن هناك مأساة ما على وشك أن تحدث، وأول من جعل الأوركسترا تعزف موسيقى فلاحى تشبه مصر، التقطه عبد الوهاب فصار شريكا فى الكثير من نجاحاته من الوطنية ( وطنى الأكبر) إلى العاطفية (لأ مش أنا اللى ابكي) ، ثم كان شريكا لعبد الحليم ،من أكثرها رقة (أنا لك على طول) إلى أكثرها شعبية (أهواك)، وكان هو المايسترو الوحيد الذى وقف خلف أم كلثوم عندما قدما معا (على باب مصر). 

لكن النقلة الأهم جاءت عندما تولى رايدر تنفيذ (والله زمان يا سلاحي) النشيد الوطنى لمصر فى الفترة( 1960- 1979). 

مجهود رايدا جعله يحصل على وسام الاستحاق، ثم حدث أن أستيقظ ذات يوم عام 1970 على خبر يقول أن عبد الناصر منحه الجنسية المصرية، وكان هذا التغيير الثالث فى حياته، الأول أنه هجر اليونان، و الثالث أن الرجل اليونانى (أندريا أناجنستوس) أصبح مصريا معروفا باسم ( أندريا رايدر). 

بعدها بأسابيع رحل عبد الناصر، استلهم رايدر من أنشودة الجماهير التلقائية ( الوداع يا جمال يا حبيب الملايين) عملا ضخما شارك فيه الكبار اسمه .. ( نشيد الوداع). 

(3) 

فى تشيلى وقف رايدر محاطا بخمسة رجال انتزعوا ساعته بالقوة و كل ما يمتلك من نقود، رفض رايدر أن يكون ضحية سهلة، اشتبك معهم بضراوة، وأصاب بعضهم، لكنهم فروا بما سرقوه، وتركوه مصابا. 

كان رايدر والمطربة المصرية التى تشارك معه فى المهرجان (منار أبو هيف) فى ضيافة أسرة سورية، اتصلت بهم الشرطة لاستلام شخص وجوده ملقى فى الشارع، عاد معهم رايدر إلى البيت وكانت إصابته بسيطة، لكنه كان يغلى ويحاول أن يكتم غيظه وبقى فى البيت يومين لا يخرج ولا يعرف أحد ما يدور برأسه. 

(4) 

ما العلاقة بين رياضة الجودو، والموسيقي؟ 

لاحظ «شيجورو كانو» مؤسس اللعبة اليابانى أن الرياح الشديدة تحطم من الشجرة أغصانها الصلبة، لكنها لا تؤذى الأغصان الناعمة المرنة لأنها تنساب مع الرياح، فكر أن الحركات الخشنة ليست السبيل الوحيد للانتصار على الخصم، فكان أن أسس قواعد للعبة مستوحاة من الحركة المتناغمة للأغصان المرنة والتى جعلتها تنتصر على الرياح. 

كان رايدر بطلا فى لعبة الجودو، لكن الموسيقى لم تغب عنه، فاعتزل اللعبة و تفرغ للأخيرة و كان هذا هو التغيير الثاني. 

عندما ترك اليونان استقر فى الإسكندرية، عمل قليلا عازفا حرا، ثم اتجه لتدريس الموسيقى وكان أهم تلاميذه (منير مراد). 

تعلم رايدر من الجودو ما جعل موسيقاه مرنة متناغمة مثل أغصان الشجر حتى فى أعنف الألحان مثل ( جبار) لعبد الحليم. 

(5) 

اتصلت منار بزوجها بطل السباحة (عبد اللطيف أبو هيف)، كان موجودا فى الارجنتين للمشاركة فى بطولة ما، حكت له ما حدث و أخبرته بالحالة النفسية السيئة التى يمر بها رايدر، فسافر أبو هيف إلى تشيلي. 

بعد أيام خرج رايدر من عزلته و تجول مع أبوهيف فى الشوارع و تسلقا الجبال وبدا أن مزاجه على وشك أن يتحسن، و تفاءل الجميع خاصة و أن الحفل الختامى للمهرجان فى اليوم التالي. 

فى الرابعة صباحا استيقظ أبو هيف على صوت رايدر وهو يتأوه و يشكو من آلام شديدة فى ظهره، اتصل بطبيب السفارة المصرية الذى طلب نقله إلى مستشفى القلب المركزي. قبل أن يخرج من الباب التفت إلى منار قائلا: خدى بالك من ماري. 

كان المسرح قد امتلأ عن آخره و الوقت يجري، ثم قال لها أحدهم أن هناك اتصالا، كان زوجها الذى طلب منها أن تتولى الحفل و تقود الأوركسترا بنفسها بناء على تعليمات رايدر الذى أمره الأطباء بالراحة التامة ليومين. 

غنت و تألقت و بينما تتسلم الجائزة لمحت فى الكواليس زوجها. 

كان باديا من ملامحه ان كل شيء انتهي. 

رحل رايدر بعد أن أصبح مصريا بشهور قليلة. 

(6) 

فى الاحتفال بمئوية السينما المصرية تم اختياره كأحسن مؤلف موسيقى تصويرية فى تاريخ السينما. 

(7) 

طلب رئيس جمهورية تشيلى تشريح جثة رايدر بعد أن تداولت وكالات الانباء خبر مقتله، بعد أن عرفت الخارجية الخبر، اتصلت بزوجة رايدر تخيرها طبقا للقانون إما أن يدفن زوجها هناك أو ينقل الجثمان إلى القاهرة على نفقتها، طلبت نقله لكنها قالت انها لا تمتلك أجر النقل بالطائرة، تدخل عبد الوهاب و طلب من وزير الثقافة نقله على نفقة الدولة فوافق. 

قبض البوليس على اللصوص، و ظهر تقرير الطبيب ليقول إن وفاة رايدر حدثت بسبب انفجار فى الشريان التاجي، وكان باديا أن الإهانة التى تعرض لها غريبا هى التى قتلته. 

بعد أيام كانت ماري( أرملة رايدر) تصافح أم كلثوم وعبد الوهاب على باب كنيسة القديس قسطنين اللذين حضرا للعزاء، و عند الصلاة الجنائزية عُزَف آخر عمل قدمه رايدر قبل رحيله ( نشيد الوداع). 

...........................................................................كاتب المقال عمر طاهر 

المراهقه

.... (( المراهقة )) ...........
.
.
.
.
.
.
.
مصطلح حديث ،،
ينزع الثقة من الشباب !!

عبد الرحمن الناصر ( 21 سنة )
كان عصره هو العصر الذهبي في حكم الاندلس وقد قضى فيها على الاضطرابات ، وقام بنهضة علمية منقطعة النظير ، لتصبح اقوى الدول في عصره ، حتى أصبح يتودد إليه قادة أوروبا !

محمد الفاتح ( 22 سنة )
فتح القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية التي استعصت على كبار القادة حينها ..

أسامة بن زيد ( 18 سنة )
قاد جيش المسلمين في وجود كبار الصحابة " كأبي بكر وعمر بن الخطاب" ليواجه أعظم جيوش الارض حينها ..

محمد القاسم ( 17 سنة )
فتح بلاد السند" الهند وباكستان وما ورائها"، وكان من كبار القادة العسكريين في عصره ..

سعد بن أبي وقاص ( 17 سنة )
_ أول من رمى بسهم في سبيل الله .
_ وكان من الستة اصحاب الشورى .
_ وكان الرسول صلي الله عليه وسلم يشير اليه قائلاً : "هذا خالي فليرني كل امرؤ خاله " .

الأرقم بن أبي الأرقم( 16 سنة )
جعل بيته مقرا للرسول 13 سنة متتابعة .

طلحة بن عبيد الله ( 16سنة )
_أكرم العرب في الاسلام .
_وفي غزوة أحد بايع رسول الله صلي الله عليه وسلم على الموت، وحماه من الكفار، واتّقى عنه النبل بيده حتى شلِّت أصبعه، ووقاه بنفسه .

الزبير ابن العوام ( 15 سنة )
_اول من سلّ سيفه لله في الاسلام .
_وهو حواريّ النبي صلي الله عليه وسلم

عمرو بن كلثوم( 15 سنة )
ساد قبيلة تغلب وقد قيل عنها :
" لولا نزول الاسلام لأكل بنو تغلب
الناس ".

معاذ بن عمرو بن الجموح( 13 سنة)
ومعوّذ بن عفراء ( 14 سنة )
قتلا أبا جهل في غزوة بدر وكان قائداً للمشركين حينها .

زيد بن ثابت ( 13 سنة )
_أصبح كاتب الوحي .
_وتعلم السيريانية واليهودية في 17 ليلة .
_ وأصبح ترجمان الرسول صلي الله عليه وسلم.
_حفظ كتاب الله .
_ وساهم في جمع القرآن .

لذلك أرجو حذف كلمة "مراهق" او "مراهقة" من قاموس المسلمين ؛ ﻷنه بمجرد قولها فإنك تزرع في نفوس الأبناء العذر للقيام بما لايليق بأخلاقنا تحت قبعة : المراهقة .
والأصل وزرع الثقة والعزة في نفوس أبنائنا والتذكر أنه متى ما بلغ _أي بلغ الحلم _ ، فقد جرى عليه القلم ويسأل عن أفعاله أمام البارئ سبحانه ..

هدية لمن يقول " أولادنا لا زالوا صغار أو مراهقين ..!


الاثنين، 22 أغسطس 2016

عمر طاهر : الدستور 2010

كان برما يقف على شاطئ البحر سألوه:
هل تتفاءل بالمستقبل؟ فقال: لو هتمطر كانت غيّمت.

سألوه عن الزحام الذى يسيطر على البلد، فقال: البلد فاضية قدام.

سألوه عن ضميره، فقال: ضميرى مستريح، لأن الحمد لله ذاكرتى رديئة.

ثم جاء الدور علىَّ، فسألنى برما عن موقف لا أنساه، فقلت له: لن أنسى ما حييت يوم أن زار سيادة محافظ سوهاج لجنة امتحان الفيزياء ليتأكد أن الامتحان فى مستوى الطالب المتوسط، قلت للمحافظ يومها: إن الامتحان جاء من الجزء الملغى من المنهج، فربت على كتفى وابتسم قائلا: القانون لا يحمى المغفلين، لذلك عندما سألنى والدى عن سر رسوبى فى المادة، قلت له بضمير مستريح: لا تعليق على أحكام القضاء.

قال لى: يبدو أنك عانيت كثيرا فى التعليم، فقلت: عموما أنا أحمد الله كثيرا على ما أنا فيه، يكفى أننى خرجت من فترة المراهقة دون أى عاهات فكرية، ففى هذه الفترة لم يكن الكمبيوتر يعمل إلا فى وجود كاسيت، وكان نجم الشباب وقتها وائل نور، وكان فتى أحلام البنات أحمد عبد العزيز الذى نجح مسلسلاه «الوسية»، ثم «المال والبنون» فأصبح بطلا، وأطلقوا اسمه على أهم شارع فى المهندسين «البطل أحمد عبد العزيز»، وكانت فتاة الأحلام جيهان نصر، ثم شيرين سيف النصر، ثم نضجنا فانتبهنا بقوة لفريدة سيف النصر، وكانت النجومية مرتبطة بنظافة الترننج الذى ترتديه على المسرح، وكانت الأناقة تقاس بعدد (الكُسر) الموجودة فى البنطلون وبلون الساتان الموجود فى تنية كم الجاكيت، وكان الكليب الأكثر شهرة وقتها «شك شك مرزوقة تعالى جنبى». كنت أشجع نادى الزمالك، لكننى لم أكن أمتلك أى عضوية إلا فى نادى السينما، وكانت البلد كلها محتلة، ولكن كانت بورسعيد هى المدينة الحرة الوحيدة إلى أن نجح النظام فى احتلالها مؤخرا. كان وقتها الدين ما بيدخلش فى المجموع إلى أن كسر الإخوان المسلمون هذه القاعدة ونجحوا بدرجات الدين فقط، وكانت هدية النجاح دائما ساعة ضد الماء، ومع ذلك كانوا ينبهون علينا ما ننزلش المية بالساعة، وكنا نقضى أوقات الفراغ فى تجميع 10 أحمر و10 ألوان لإرسالها لشركة الشمعدان طمعا فى جهاز أتارى، وبالرغم من أن القنوات التليفزيونية المتاحة كانت 3 محطات فقط، فإننا خسّينا النص بسبب المشاوير الكثيرة التى قطعناها من الكنبة إلى الجهاز لتغيير القناة. كان ظهور الشيش طاووق انقلابا وقتها، حيث كان طعامنا المفضل الأستيكة أم ريحة والتيكيت الذى كنا نبلله بألسنتنا لنلصقه على الكراسات، وكان الصمغ الموجود به من القوة أن ألتصق بأفواه معظم أبناء جيلى، والنتيجة أن معظمنا مش قادر يفتح بقه لحد النهارده.

فى أثناء كلامى مع برما كان يبدو عليه الاكتئاب فسألته: ما لك؟ فقال: بعد سنوات من البرامج والفضائيات ما زال بيننا ناس عندما يتصلون بالبرامج على الهواء يرفعون صوت التليفزيون ليسمعوا أنفسهم وهم يتكلمون. ما زال بيننا ناس يكاد المذيع يقبّل أياديهم (ممكن توطى التليفزيون وتسمعنى من التليفون؟)، كام مرة تصادف هذا الموقف وأنت تتجول بين الفضائيات؟ ماذا تتوقع من شعب يمتلك أجهزة تليفزيون وديكودر وتليفون ووقتا فاضيا للاتصال بالبرامج، ولم يتعلم درسا تافها مثل هذا؟
قال برما: نعيش فى أجواء غرائبية يمكنك أن تلاحظها مثلا فى صالة الجيم التى تم افتتاحها قريبا من منزلى، وقد كتب على بابها «المؤمن القوى أحب إلى الله من المؤمن الضعيف»، أو فى صديقى الذى قال لى: إنه يؤمن بالحكمة التى تقول : العوازل الطبية ليست دائما آمنة، فابن خالته كان يستخدمها لكنه مات فى حادثة سيارة، أو فى صديقى الذى أرسل تلغرافا إلى زميله فى العمل يعزّيه فى وفاة والده قائلا «ما حصلش حاجة!».

عموما لقد اعتدت هذه الأجواء بمرور الوقت، وأصبحت أتعلم شيئا جديدا كل يوم، فقد تعلمت :
(1) تعلمت أنه.. خرجت المرأة فى أول ظهور لها من تحت باط الرجل لذلك تقضى عمرها وهى تحاول أن تجيب أى رجل تحت باطها.
(3) و حكمة تقول :أن الزوج يجب أن يعرف أنه معرَّض للعقاب فى أى وقت إذا لم يكن على (حاجة عملها) سيكون على (حاجة ما عملهاش).
(4) وقال لى: لا تصدق أن فى السفر سبع فوائد.. مبدئيّا هى خمسة، وجاء ذكرها على لسان الإمام الشافعى:
تفريج هم، واكتساب معيشة، وعلم، وآداب، وصحبة ماجد.
قلت له: واللهِ أنت عمِّى، فقال لى: عمى الدبب. وعندما شعر أننى انزعجت من تعليقه أعطانى رقم تليفون منزله، ثم قال: على فكرة عمى الدبب عمى ألوان بس، لكنه خطر حيث تفشل فى التمييز بين الجليد وصغار الدببة، والنتيجة أنهم يدهسونهم طوال الوقت لحد ما قربوا ينقرضوا.
قلت له: زدنى يا برما.. فقال:
(5) لا تقل رأيك فى طعام حتى تهضمه، ويتخلص جسمك منه نهائيّا، ولا تقل رأيك فى صديق حتى تطلب منه أن يُقرِضك، ولا تقل رأيك فى امرأة حتى تتأكد أنها ماتت خالص.
(6) و يجب أن تؤمن بالحكمة التى تقول : لم تستطع أن تكون قدوة فكن عِبرة على الأقل.
(7) وتيك كير ولا تثق فى أحد، فقد غنَّى هيثم شاكر لمصر «ارمى حمولك علىّ»، راحت مصر مشيّلاه سنة سجن.
(8) ولا تفرح بعروض البنوك، يقولون ان البنك هو مكان يُقرِضك مظلة عندما يكون الطقس معتدلا، ويطلب منك استعادتها عندما تمطر.
(9) ولا تثق أبدا فى شخص يبدأ كلامه معك بجملة: أصلى عيبى إنى صريح. كيف يمكنك أن تصدق شخصا يرى الصراحة عيبا أصلا؟
(10) وانتبه للفرص وخد بالك.. تبدو الفرص أوضح وهى فى طريقها للضياع.
(11) ويقول ابن القيم «لما طلب آدم الخلود فى الجنة عن طريق الشجرة عُوقب بالخروج منها، ولما طلب يوسف الخروج من السجن عن طريق صاحب الرؤيا لبثَ فيه بضع سنين»، فليكن سؤالك عن طريق الله.
(12) وعموما يا عُمر ضع فى يقينك أنه و كما قال الشاعر الف نسى :  ليس هناك مكان ينام فيه الشخص بأمان مثل غرفة أبيه.
كان كلام برما مؤثِّرا فانهمرت دموعى.
بعدها اختفى برما لفترة وتذكرت أنه أعطانى رقم تليفون بيته، فاتصلت وسألت عنه، فقال لى الشخص الذى رد: لا واللهِ النمرة غلط، فقلت له: ولما النمرة غلط بتردوا ليه؟
.......

(بعض الأقوال على لسان برما مستوحاة من أمثال الخواجة و أقوال عالمية مأثورة)
الدستور 2010