الأحد، 28 أغسطس 2016

عمر طاهر: عمالين نكش

ليس الجنيه وحده، نحن أيضا كمصريين (عمالين نكش).

كانت مقاسات البشر في الأربعينيات والخمسينيات أسطورية.

يمكنك أن تلاحظ هذا في مقاسات بيوت زمان، كان في كل بيت صالة ذات مساحة تستطيع بالكاد أن تستوعب حركة هؤلاء العمالقة.

بدليل أنك إذا سكنت واحدة من هذه الشقق حاليًا ستستطيع أن تربي في ناحية منها غية حمام تفتح أبوابها ليحلق الحمام في الصالة طول النهار ثم تقف حاملا العلم في آخر الصالة بنهاية اليوم حتى يعود الحمام إلى الغية سالمًا، ولا يضل الطريق في الصالة.

تأمل مقاسات البشر أنفسهم، لو أخذت حسين صدقى من فيلم العزيمة كما هو ووضعته في حلقة توك شو ستعتقد من حجمه أنه العميد السابق لحقوق القاهرة، عد به إلى الفيلم ستجده يا دوب طالب حصل على التوجيهية ويبحث عن عمل.

الأرواح نفسها كانت ضخمة، عندك مثلا أرواح السميعة كانت على قدر من الضخامة بحيث يشبعها بالكاد عشرة خمستاشر إعادة لمقطع واحد من أغنية للست أم كلثوم.

كانت كل المصالح الحكومية واللوكاندات ومقار الصحف في هذا الوقت تحتوي في مداخلها على مساحة ضخمة مهيبة يسمونها (البهو) .. ظل البهو يكش يكش حتى أصبح مجرد (ريسبشن) في وقتنا الحالي.

وفي شققهم كانوا يحتاجون لمساحة تناسبهم يطلون منها على الشارع، فكانت أسطورة (الفراندة)، وظلت تكش ونحن نكش حتى أصبحت مجرد بلكونة قد تستطيع أحيانًا أن تقفلها بالألوميتال ليقيم فيها أحد أفراد الأسرة المصاب بالأنيميا والتوحد.

عندك حجرة المسافرين، ومن الأخطاء الشائعة أن نعتقد أنها كانت مخصصة للمسافرين الضيوف القادمين من جهات بعيدة ،الحقيقة أنها كانت أوضة في نهاية الشقة لراغبي الهدوء من أهل الشقة نفسها، ولكن كان الذهاب إليها بمثابة سفر لذلك لقبوا من يقطنها بالمسافرين.

كانت مقاساتهم تكبر بسرعة، تأمل ماتشات الكرة في هذه الفترة .. كان اللعيبة يفصلون الشورتات الدمور قبل بداية الموسم على يد ترزية مهرة يجيدون ضبط المقاسات، لكن على بال ما يستلموا الشورتات يكونوا تعملقوا بزيادة لدرجة أن هذه الشورتات كانت تغطي بالكاد مفاصل أفخاذ اللعيبة .. لقد كانت "لباليب" هذا الجيل نقطة مضيئة في تاريخ الكرة المصرية.

هؤلاء الرجال العمالقة ماتوا خلال حرب الست سنوات، وظهر رجال الجيل الثاني وكانت مقاساتهم مدعاة للسخرية، لذلك حاولوا أن يعوِّضوا هذا الفارق بأفكار جلبت لهم مزيدًا من السخرية مثل أن يعملقوا السوالف أو يضيفوا إلى أطوالهم سنتيمترات بالشعر الهائش أو بالإفراط في مقاسات رجل البنطلون .. كان (الشارلستون) محاولة لإخفاء الطفرة السلبية في مقاسات الأقدام بعد أن انقرضت مقاسات أقدام جيل العمالقة التي استهلكوها في دك خط بارليف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق